وكأن الزمان توقف ما بعد تاريخ 4 آب من هذا
العام: تحطمت بيوتٌ وذكريات، توقفت نبضات قلوب، وسكتت أصواتٌ الى الأبد. يحدث أحياناً أن تساوي لحظة واحدة، عمراً
بكامله، أن نشعر بعد تلك اللحظة وكأننا كبرنا 100 عام، وكأن حزن العالم كله بات
يسكن قلوبنا! وبعد هذه اللحظة بالذات، كم نحن بحاجة لسند.
سندٌ يشعرنا أننا لسنا بمفردنا، سندٌ يمدنا بالقوة،
يعطينا مأوى، والأهم من ذلك سندٌ يشعرنا بالمحبة.
إن قصدت بيروت في هذه الفترة ستلاحظ كيف أن هذه
المدينة نفضت الغبار عنها بسرعة. في أحيائها وأزقتها سترى متطوعين من كافة الأعمار
والجنسيات يعملون بكل جهودهم. وما بين توزيع الأكل والأدوية، وتركيب الأبواب، تكاد
الـ24 ساعة لا تكفيهم. وفيما تكمل طريقك، يلفت نظرك باباً يدقه كثيرون: "يا
ابني بدي عذبك راح بيتي"، "يا بنتي ما عندي مطبخ طعمي هالولاد"،
"هالدوا مني قادرة جيبو بقى"، وغيرها من التعابير التي تبكي الحجر.
تدخل الباب فترى فريق عمل كامل لا تفارق البسمة
وجوه أعضائه، ليستقبلك أحدهم بالقول: "أهلاً بكم في جمعية نساند".
"نساند"، جمعية سبق وسطع نجمها في
المناطق الأشد فقراً، كانت بالنسبة للأهالي "إسم على مسمى". واليوم، حين
ناداها الواجب، إتجهت بكافة أعضائها الى قلب البركان: مار مخايل، وإتخذت من أحد
المحال مركزاً لها، وبدأ العمل!
في أقل من شهرين استطاعت هذه الجمعية مساندة أكثر
من 10 آلاف عائلة، ويمكنك أن تلمس ذلك من دعوات كل من يمر الى هذا المركز ومن
الاتصالات التي تكاد لا تنتهي. وبما أن الوقت يحتاج الى التكاتف، تعاونت هذه
الجمعية مع 9
جمعيات عالمية و21 أخرى محلية، وزعت أكثر من 21,817
وجبة و1,422
حصة غذائية تحت مشروع "مونة بتكفي بيروت"، و10 آلاف
وحدة من مستلزمات النظافة، 5 آلاف قناع لمحاربة الكورونا، و4 آلاف قسيمة ملابس.
ولا تنحصر إنجازاتها هنا، ذلك لأنها جنّدت
متطوعيها تحت مشروع "سقف بيحمي بيروت" لتلقي أكثر من 1,300
إتصال على الخط الساخن، للوقوف بجانب كل من يحتاج سند في أي وقتٍ من الليل
والنهار، كما أجروا التقييمات اللازمة لأكثر من 1,147
منزل وساهموا في إعادة ترميم أكثر من 497 منها حتى الآن.
"أين يمكننا التطوع؟ ولأي جهة نتبرع؟"،
سؤال يساور كل فاعل خير بعد أي أزمة. لكن اليوم، كبسة زر صغيرة على مواقع التواصل
الإجتماعي تظهر أين تُرجم كل فلس. وإن كنت بحاجة للتأكد من أن الدنيا لم تخلُ من
فاعلي الخير، أصبحت تعرف الوجهة التي يجب عليك اتخاذها.
نعم، ما زال الله في قلوبنا.